فصل: الفصل السادس والثلاثون:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المدهش في المحاضرات (نسخة منقحة)



.الفصل السادس والثلاثون:

أيها المغتر كم خدعت، ما واصل وصلها محب إلا قطعت، ولا ناولت نوالًا إلا ارتجفت، اختبأت مريرها فلما اعتقلت أسيرها جرعت، متى رأيتها قد توطنت فاعلم أنها قد أزمعت.
يا محب الدنيا الغرور اغترارا ** راكبًا في طلابها الأخطارا

يبتغي وصلها فتأبى عليه ** وترى أنسه فتبدي نفارا

خابَ من يبتغي الوصال لديها ** جارةٌ لم تزل تسيء الجوارا

كم محبٍّ أرته أنسًا فلما ** حاول الزور صيرته ازورارا

شيب حلو اللذات منها بمر ** إن حلت مرة أمرت مرارا

في اكتساب الحلال منها حساب ** واكتساب الحرام يصلي النارا

ولباغي الأوطار منها عناءٌ ** سوف يقضي وما قضى الأوطارا

كل لذاتها منغصة العيش ** وأرباحها تعود خسارا

وليالي الهموم فيها طوال ** وليالي السرور تمضي قصارا

وكفى أنها تظن وإن جادت ** بنزر أفنت به الأعمارا

وإذا ما سقت خمور الأماني ** صيرت بعدها المنايا خمارا

كم مليك مسلط ذللته ** بعد عز فما أطاق انتصارا

ونعيم قد أعقبته ببوس ** ومغان قد غادرتها قفارا

أيها المستعير منها متاعًا ** عن قليل تسترجع المستعارا

عد عن وصل من يعيرك ما ** يفنى ويبقى إثمًا ويكسب عارا

قد أرتك الأمثال في سالف الد ** هر وما قدراتك فيك اعتبارا

وجدير بالعذر من قدم الأ ** عذار فيما جناه والإنذارا

فتعوض منها بخلة صدق ** والتمس غير هذه الدار دارا

والبدار البدار بالعمل الصا ** لح ما دمت تستطيع البدارا

إلى متى في طلبها؟، إلى كم الاغترار بها؟، تدور البلاد منشدًا ضالة المنى، وتلك ضالة لا توجد أبدًا، فسيقتلك الحرص غريبًا ولكن لا في فيافي (فيا طوبى للغرباء).
أظن هواها تاركي بمضلة ** من الأرض لا مال لدي ولا أهل

ولا أحد أفضى إليه وصيتي ** ولا وارث إلا المطية والرحل

أيها المتعب نفسه في جمع المال، عقاب الوارث على مرقب الانتظار، أفهمت أم أشرح لك؟، العقاب لا تعاني الصيد وإنما تكون على موضع عال، فأي طائر صاد صيدًا انقضت عليه فإذا رآها هرب وترك الصيد، ومالك تجمع مالك؟ ومالك منه إلا ما تخلف، والزمان يشتك للذهاب وأنت للإذهاب تؤلف، المال إذا وصل إلى الكرام عابر سبيل وإكرام عابر السبيل تجهيزه للرحيل، جسم البخيل كله يعرق إلا اليد كفه مكفوفة ما ينفق منها خرزة.
تحلى بأسماء الشهور فكفه ** جمادى وما ضمت عليه المحرم

يا فرعوني الكبر تفرح بمال سيسلب منك، فتستعير كلمة {أليس لي} يا نمروذي الجهل، تشد أطناب الحيل على الدنيا في أرجل نسور الأمل ثم ترمي نشاب الأغراض، إن وقف لك غرض فتستغيث الأكوان من يدك {وإن كان مكرهم} من فهم علم التوحيد، تجرد للواحد بقطع العلائق، أما ترى كلمتي الشهادة مجردة عن نقط. إذا أعرضت عن الدنيا أقبلت إليك الآخرة، من ترك شيئًا لله عوضه الله خيرًا منه، عقر سليمان الخيل {فسخّرنا لهُ الريحَ}، لما عقدت الخنصر على التوحيد ميزت على باقي الأصابع بالخاتم.
يا أطفال التوبة ما أنكر حنينكم إلى الرضاع، ولكن ذوقوا مطاعم الرجال وقد نسيتم شرب اللبن، إذا تحصن الهوى بقلعة الطبع فانصبوا مجانيق العزائم وقد انهدم السور، أنتم تخرجون لقتل سبع ما أذاكم. ليقال عن أحدكم ما أجلده، فكيف تتركون سبع الهوى وقد أغار على سرح القلوب؟ إنما تتحف الملوك بالباكورة. فافهموا يا صبيان التوبة إذا أهديتم فالرطب لا الحشف. يا أطيار الشباب، إما عبادان التعبد وإلا استفراخ العلم وإلا فالذبح، تريدون نيل الشهوات وحصول المراتب، والجمع بين الأضداد لا يمكن.
هواك نجد وهواي الشام ** وذا وذا يا مي لا يلتام

ما زلت أعالج مسمار الهوى. في قلب العاصي، أميل به تارة إلى جانب التخويف، وتارة إلى ناحية التشويق، فلما ضعف الماسك بإزعاجي له، اتسع عليه المجال فجذبته، أنفت لصبي اللعب من بيع جوهر العمر النفيس بصدف الهوى، فشددت عليه في الحجر ليعلم بعد البلوغ {أنِّي لمْ أَخُنْهُ بالغيب}.

.الفصل السابع والثلاثون:

أخواني! جدوا فقد سبقتكم، واستعدوا فقد لحقتم، وانظروا بماذا من الهوى علقتم؟، ولا تغفلوا عما له خلقتم، ذهبت الأيام وما أطعتم، وكتبت الآثام وما أصغيتم، وكأنكم بالصادقين قد وصلوا وانقطعتم، أهذا التوبيخ لغيركم أو ما قد سمعتم؟ لصردر:
ما ضاع من أيامنا هل يُغرمُ ** هيهات والأزمان كيف تقوم

يومٌ بأرواحٍ يباع ويشترى ** وأخوه ليس يُسامُ فيه درهمُ

لي وقفة في الدار لا رجعت بما ** أهوى ولا يأسي عليها يُقدِمُ

وكفاك أني للنوائب عاتبٌ ** ولصُمِّ أحجار الديار أكلم

ومن البلادة في الصبابة أنني ** مستخبرٌ عنهن من لا يفهم

وإذا البليغ شكا إليه بثه ** عبثًا فما بال المطايا تُرزِمُ

كل كنى عن شوقه بلغاته ** ولربما أبكى الفصيحَ الأعجمُ

نرجو سلوكًا في رسومٍ بينها ** الأغصان سكر والحمام متيمُ

هذي تميل إذا تنسمت الصبا ** والوُرق تذكر إلفَها فترَنَّمُ

آهٍ على زمانٍ فاتن وعلى قلب حي مات، كيف الطمع فيما مضى؟ هيهات، ردًا على ليالي التي سلفت أين الزمان الذي بان؟ أتراه بان، أين القلب الصافي؟ كان وكان.
سقيًا لمنزلة الحمى وكثيبها ** إذ لا أرى زمنًا كأزماني بها

ما أعرف اللذات إلا ذاكرًا ** هيهات قد خلفت أوقاتي بها

يا من كان له قلب فانقلب، قيام السحر يستوحش لك، صيام النهار يسأل عنك، ليالي الوصال تعاتبك.
أين أيامك والدهر ربيع ** والنوى معزولة والقرب وال

يا من كان قريبًا فطرد، يا من كان مشاهدًا فحجب، يا عزيزي ما ألفت الشقاء، فكيف تصبر؟ أصعب الفقر ما كان بعد الغنى. وأوحش الذل ما كان بعد العز وأشدهما على الكبر. يا هذا بت بيت الأحزان من قبل البيات، وثب إلى المثيب وثبة ثبات، ولا تجاوز الجناب ودر حول الدار، واستقبل قبلة التضرع وقل في الأسحار:
قد قلق الحب وطال الكرى ** وأظلم الجو وضاق الفضا

لا يعطش الزرع الذي نبته ** بصوت أنعامك قد روّضا

إن كان لي ذنب تجرمته ** فاستأنف العفو وهب ما مضى

لا تبر عودًا أنت ريشته ** حاشى لباني المجد أن ينقضا

كيف لا أبكي لأعراض من ** أعرض عني الدهر إذ عرضا

قد كنت أرجوه لنيل المنى ** فاليوم لا أطلب إلا الرضا

يا من فقد قلبه وعدم التحيل في طلبه، تنفس من كرب الوجد فبريد اللطف يحمل الملطفات، ريح الأسحار ركابي الرسائل، ونسيم الفجر ترجمان الجواب.
للمهيار:
فيا ريح الصبا اقترحي ** على الأحشاء واحتكمي

أراك نسمتِ تختبرين ** ما عهدي وما ذممي

فهذي في يدي كبدي ** وذا في وجنتي دمي

سلامٌ كلما ذُكرتْ ** ليالينا بذي سلَم

أخواني، صعداء الأنفاس واصل لا يمنع، لسان الدمع أفصح من لسان الشكوى، شجو التائب يطرب سمع الرضا، حزن النادم يسر قلب التعبد، قلق المسكين محبوب الرحمة، آسى من أسا فرح العفو، بكاء المفرط يضحك سن القبول، دمع المحزون مخزون لخزانة الخاص، ريح نفس آسف أطيب من ند ند، قطرة من الدمع على الخد أنفع من ألف مطرة على الأرض:
ضمنت حالي للقصة ورفعتها ** فآتاني التوقيع يشرح حاله

فأتيت ديوان الهوى فلكثرة ** العشاق لم ينهي لي إيصاله

حتى إذا أوصلتها نظروا إلى ** شخص تبقى للعيون خياله

قلت ارحموا هذا الفقير فإنه ** من حين هجركم تمزق حاله

يا دائرة الشقاء أين أوّلك؟ يا أرض التيه متى آخرك؟ يا أيوب البلاء إلى كم على الكناسة؟ متى ينسخ الزمن؟ زمن {اركض}:
سمعت حمامة هتفت بليل ** وقد حنّتْ إلى ألف بعيد

فأزعجت القلوب وأقلقتها ** فما زلنا نقول لها أعيدي

أرى ماءً وبي عطشٌ شديد ** ولكن لا سبيل إلى الورود

تعلق بالليل فهو شفيع مشفع، تمسك بالبكاء فهو رفيق صالح، ادخل في زمرة المتهجدين على وجه التطفل في فلوات الخلوات بلسان التذلل:
يا راحم عبرة المسيء المحزون ** دمعي مبذول وحزن قلبي مخزون

شوقي يسعى إليك والصبر حرون ** من تهجره أنت ترى كيف يكون

أبواب الملوك لا تطرق بالأيدي ولا بالحجارة بل بنفس محتاج: للمهيار:
آه والشوق ما تأوهت منه ** لليالٍ بالسفح لو عُدْنَ أخرى

قلِّبوا ذلك الرماد تُصيبوا ** فيه قلبي إن لم تصيبوا الجمرا

يا هذا، إذا رأيت نفسك متخيلة لا مع المحبين ولا مع التائبين فابسط رماد الأسف واجلس مع رفيق اللهف وابعث رسالة القلق مع بريد الصعداء لعله يأتي بالجواب بكشف الجوى:
ولي زفرات لو ظهرنَ قتلتني ** لشوق لييلاتي التي قد تولت

إذا قلت هذي زفرة اليوم قد مضت ** فمن لي بأخرى مثل تيك أظلمت

حلفت لهم بالله ما أم واحد ** إذا ذكرته آخر الليل أنت

وما وجدا عرابية قد فت بها ** صروف النوى من حيث لم تك ظنت

تمنت أحاليب الرعاء وخيمة ** بنجد فلم يقدر لها ما تمنت

إذا ذكرت ماء العذيب وطيبه ** وبرد حصاه آخر الليل حنت

لها أنة وقت العشاء وأنة ** سحيرًا فلو لا انتاها لجنت

بأكثر مني لوعة غير أنني ** أجمجم أحشائي على ما أجنت

نيران الخوف في قلوب التائبين ما تخبو، وقلق المذنبين مما جنوا لا يسكن، وضجيج المحبين في جيوش الشوق ما يفتر:
واهًا لزماننا الذي كان صفا ** أبكي مرضي وليس لي منه شفا

ذابت روحي وما أرى غير جفا ** هذا رمقي تسلموه بوفا